الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **
{ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما، قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا، وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا} قال ابن اسحاق: وكان من خبر ذي القرنين أنه أوتى ما لم يؤت غيره، فمدت له الأسباب حتى انتهى من البلاد إلى مشارق الأرض ومغاربها، لا يطأ أرضا إلا سلط على أهلها، حتى انتهى من المشرق والمغرب إلى ما ليس وراءه شيء من الخلق. قال ابن إسحاق: حدثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علم ذي القرنين أن ذا القرنين كان من أهل مصر اسمه مرزبان بن مردبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح. قال ابن هشام: واسمه الإسكندر وهو الذي بنى الإسكندرية فنسبت إليه. وقيل: إنه رأى في أول ملكه كأنه قابض على قرني الشمس، فقص ذلك، ففسر أنه سيغلب ما ذرت عليه الشمس، فسمي بذلك ذا القرنين. وقيل: إنما سمي بذلك، لأنه بلغ المغرب والمشرق فكأنه حاز قرني الدنيا. وقالت طائفة: إنه لما بلغ مطلع الشمس كشف بالرؤية قرونها فسمي بذلك ذا القرنين؛ أو قرني الشيطان بها. وقال وهب بن منبه: كان له قرنان تحت عمامته. وسأل ابن الكواء عليا رضي الله تعالى عنه عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا؟ فقال(لاذا ولاذا، كان عبدا صالحا دعا قومه إلى الله تعالى فشجوه على قرنه، ثم دعاهم فشجوه على قرنه الآخر، فسمي ذا القرنين) واختلفوا أيضا في وقت زمانه، فقال قوم: كان بعد موسى. وقال قوم: كان في الفترة بعد عيسى وقيل: كان في وقت إبراهيم وإسماعيل. وكان الخضر عليه السلام صاحب لوائه الأعظم؛ وفد ذكرناه في {البقرة{. وبالجملة فإن الله تعالى مكنه وملكه ودانت له الملوك، فروي أن جميع ملوك الدنيا كلها أربعة: مؤمنان وكافران؛ فالمؤمنان سليمان بن داود وإسكندر، والكافران نمرود وبختنصر؛ وسيملكها من هذه الأمة خامس لقوله تعالى قوله تعالى{إنا مكنا له في الأرض{ قال علي رضي الله عنه:(سخر له السحاب، ومدت له الأسباب، وبسط له في النور، فكان الليل والنهار عليه سواء) قوله تعالى{وآتيناه من كل شيء سببا{ قال ابن عباس:(من كل شيء علما يتسبب به إلى ما يريد) وقال الحسن: بلاغا إلى حيث أراد. وقيل: من كل شيء يحتاج إليه الخلق. وقيل: من كل شيء يستعين به الملوك من فتح المدائن وقهر الأعداء. وأصل السبب الحبل فاستعير لكل ما يتوصل به إلى شيء. قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي {فأتبع سببا{ مقطوعة الألف وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو {فاتبع سببا{ بوصلها؛ أي اتبع سببا من الأسباب التي أوتيها. قال الأخفش: تبعته وأتبعته بمعنى؛ مثل ردفته وأردفته، ومنه قوله تعالى قوله تعالى{حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة{ قرأ ابن عاصم وعام وحمزة والكسائي {حامية{ أي حارة. الباقون {حمئة{ أي كثيرة الحمأة وهي الطينة السوداء، تقول: حمأت البئر حمأ (بالتسكين) إذا نزعت حمأتها. وحمئت البئر حمأ (بالتحريك) كثرت حمأتها. ويجوز أن تكون {حامية{ من الحمأة فخففت الهمزة وقلبت ياء. وقد يجمع بين القراءتين فيقال: كانت حارة وذات حمأة. بلغ المغارب والمشارق يبتغي أسباب أمر من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد الخلب: الطين: والثأط: الحماة. والحرمد. والأسود. وقال القفال قال بعض العلماء: ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا وصل إلى جرمها ومسها؛ لأنها تدور مع السماء حول الأرض من غير أن تلتصق بالأرض، وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض، بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق، فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض؛ ولهذا قال{وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا{ ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم، بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم. وقال القتبي: ويجوز أن تكون هذه العين من البحر، ويجوز أن تكون الشمس تغيب وراءها أو معها أو عندها، فيقام حرف الصفة مقام صاحبه والله أعلم. قوله تعالى{ووجد عندها قوما{ أي عند العين، أو عند نهاية العين، وهم أهل جابرس، ويقال لها بالسريانية: جرجيسا؛ يسكنها قوم من نسل ثمود بقيتهم الذين آمنوا بصالح؛ قوله تعالى{قلنا يا ذا القرنين{ قال القشيري أبو نصر: إن كان نبيا فهو وحي، وإن لم يكن نبيا فهو إلهام من الله تعالى. {إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا{ قال إبراهيم بن السري: خيره بين هذين كما خير محمدا صلى الله عليه وسلم فقال{فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم}المائدة: 42] ونحوه. وقال أبو إسحاق الزجاج: المعنى أن الله تعالى خيره بين هذين الحكمين؛ قال النحاس: وردّ علي بن سليمان عليه قوله؛ لأنه لم يصح أن ذا القرنين نبي فيخاطب بهذا، فكيف يقول لربه عز وجل{ثم يرد إلى ربه{؟ وكيف يقول{فسوف نعذبه{ فيخاطب بالنون؟ قال: التقدير؛ قلنا يا محمد قالوا يا ذا القرنين. قال أبو جعفر النحاس: هذا الذي قاله أبو الحسن لا يلزم منه شيء. أما قوله{قلنا يا ذا القرنين{ فيجوز أن يكون الله عز وجل خاطبه على لسان نبي في وقته، ويجوز أن يكون قال له هذا كما قال لنبيه قوله تعالى{قال أما من ظلم{ أي من أقام على الكفر منكم، {فسوف نعذبه{ أي بالقتل {ثم يرد إلى ربه{ أي يوم القيامة{فيعذبه عذابا نكرا{ أي شديدا في جهنم. {وأما من آمن وعمل صالحا{ أي تاب من الكفر {فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا{ قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم {فله جزاء الحسنى{ بالرفع على الابتداء أو بالاستقرار و{الحسنى{ موضع خفض بالإضافة ويحذف التنوين للإضافة؛ أي له جزاء الحسنى عند الله تعالى في الآخرة وهي الجنة، فأضاف الجزاء إلى الجنة، كقوله{حق اليقين}الواقعة: 95]، {ولدار الآخرة}الأنعام: 32]؛ قاله الفراء. ويحتمل أن يريد بـ {الحسنى{ الأعمال الصالحة ويمكن أن يكون الجزاء من ذي القرنين؛ أي أعطيه وأتفضل عليه ويجوز أن يحذف التنوين لالتقاء الساكنين ويكون {الحسنى{ في موضع رفع على البدل عند البصريين، وعلى الترجمة عند الكوفيين، وعلى هذا قراءة ابن أبي إسحاق {فله جزاء الحسنى{ إلا أنك لم تحذف التنوين، وهو أجود. وقرأ سائر الكوفيين {فله جزاء الحسنى{ منصوبا منونا؛ أي فله الحسنى جزاء قال الفراء{جزاء{ منصوب على التمييز وقيل: على المصدر؛ وقال الزجاج: هو مصدر في موضع الحال؛ أي مجزيا بها جزاء وقرأ ابن عباس ومسروق {فله جزاء الحسنى{ منصوبا غير منون وهي عند أبي حاتم على حذف التنوين لالتقاء الساكنين مثل {فله جزاء الحسنى{ في أحد الوجهين. النحاس: وهذا عند غيره خطأ لأنه ليس موضع حذف تنوين لالتقاء الساكنين ويكون تقديره: فله الثواب جزاء الحسنى. تقدم معناه أن أتبع واتبع بمعنى أي سلك طريقا ومنازل. قوله تعالى{حتى إذا بلغ مطلع الشمس{ وقرأ مجاهد وابن محيصن بفتح الميم واللام؛ يقال: طلعت الشمس والكواكب طلوعا ومطلعا. والمطلَع والمطلِع أيضا موضع طلوعها قاله الجوهري. {وجدها تطلع على قوم{ المعنى أنه انتهى إلى موضع قوم لم يكن بينهم وبين مطلع الشمس أحد من الناس. والشمس تطلع وراء ذلك بمسافة بعيدة وقد اختلف فيهم؛ فعن وهب بن منبه ما تقدم، وأنها أمة يقال لها منسك وهي مقابلة ناسك؛ وقال مقاتل وقال قتادة: يقال لهما الزنج وقال الكلبي: هم تارس وهاويل ومنسك؛ حفاة عراة عماة عن الحق، يتسافدون مثل الكلاب، ويتهارجون تهارج الحمر. وقيل: هم أهل جابلق وهم من نسل مؤمني عاد الذين آمنوا بهود، ويقال لهم بالسريانية مرقيسا والذين عند مغرب الشمس هم أهل جابرس؛ ولكل واحدة من المدينتين عشرة آلاف باب، وبين كل باب فرسخ ووراء جابلق أمم وهم تافيل وتارس وهم يجاورون يأجوج ومأجوج وأهل قوله تعالى{لم نجعل لهم من دونها سترا{ أي حجابا يستترون منها عند طلوعها. قال قتادة: لم يكن بينهم وبين الشمس سترا؛ كانوا في مكان لا يستقر عليه بناء، وهم يكونون في أسراب لهم، حتى إذا زالت الشمس عنهم رجعوا إلى معايشهم وحروثهم؛ يعني لا يستترون منها بكهف جبل ولا بيت يكنهم منها. وقال أمية: وجدت رجالا بسمرقند يحدثون الناس، فقال بعضهم: خرجت حتى جاوزت الصين، فقيل لي: إن بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة، فاستأجرت رجلا يرينيهم حتى صبحتهم، فوجدت أحدهم يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى، وكان صاحبي يحسن كلامهم، فبتنا بهم، فقالوا: فيم جئتم؟ قلنا: جئنا ننظر كيف تطلع الشمس؛ فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كهيئة الصلصلة، فغشي على ثم أفقت وهم يمسحونني بالدهن، فلما طلعت الشمس على الماء إذ هي على الماء كهيئة الزيت، وإذا طرف السماء كهيئة الفسطاط، فلما ارتفعت أدخلوني سربا لهم، فلما ارتفع النهار وزالت الشمس عن رؤوسهم خرجوا يصطادون السمك، فيطرحونه في الشمس فينضج. وقال ابن جريج: جاءهم جيش مرة، فقال لهم أهلها: لا تطلع الشمس وأنتم بها، فقالوا: ما نبرح حتى تطلع الشمس. ثم قالوا: ما هذه العظام؟ قالوا: هذه والله عظام جيش طلعت عليهم الشمس ههنا فماتوا قال: فولوا هاربين في الأرض. وقال الحسن: كانت أرضهم لا جبل فيها ولا شجر، وكانت لا تحمل البناء، فإذا طلعت عليهم الشمس نزلوا في الماء، فإذا ارتفعت عنهم خرجوا، فيتراعون كما تتراعى البهائم. قلت: وهذه الأقوال تدل على أن مدينة هناك والله أعلم. وربما يكون منهم من يدخل في النهر ومنهم من يدخل في السرب فلا تناقض بين قول الحسن وقتادة. تقدم معناه أن أتبع واتبع بمعنى أي سلك طريقا ومنازل. قوله تعالى{حتى إذا بلغ بين السدين{ وهما جبلان من قبل أرمينية وأذربيجان. روى عطاء الخراساني عن ابن عباس{بين السدين{ الجبلين أرمينية وأذربيجان {وجد من دونهما{ أي من ورائهما. {قوما لا يكادون يفقهون قولا{ وقرأ حمزة والكسائي {يفقهون{ بضم الياء وكسر القاف من أفقه إذا أبان أي لا يفقهون غيرهم كلاما. الباقون بفتح الياء والقاف، أي يعلمون. والقراءتان صحيحتان، فلا هم يفقهون من غيرهم ولا يفقهون غيرهم. قوله تعالى{قالوا ياذا القرنين{ أي قالت له أمة من الإنس صالحة. {إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض{ قال الأخفش: من همز {يأجوج{ فجعل الألفين من الأصل يقول: يأجوج يفعول ومأجوج مفعول كأنه من أجيج النار. قال: ومن لا يهمز ويجعل الألفين زائدتين يقول{ياجوج{ من يججت وماجوج من مججت وهما غير مصروفين؛ قال رؤبة: ذكره الجوهري. وقيل: إنما لم ينصرفا لأنهما اسمان أعجميان، مثل طالوت وجالوت غير مشتقين؛ علتاهما في منع الصرف العجمة والتعريف والتأنيث. وقالت فرقة: هو معرب من أج وأجج علتاهما في منع الصرف التعريف والتأنيث. وقال أبو علي: يجوز أن يكونا عربيين؛ فمن همز {يأجوج{ فهو على وزن يفعول مثل يربوع، من قولك أجت النار أي ضويت، ومنه الأجيج، ومنه ملح أجاج، ومن لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفا مثل رأس، وأما {مأجوج{ فهو مفعول من أج، والكلمتان من أصل واحد في الاشتقاق ومن لم يهمز فيجوز أن يكون خفف الهمزة، ويجوز أن يكون فاعولا من مج، وترك الصرف فيهما للتأنيث والتعريف كأنه اسم للقبيلة. واختلف في إفسادهم؛ سعيد بن عبدالعزيز: إفسادهم أكل بني آدم. وقالت فرقة: إفسادهم إنما كان متوقعا، أي سيفسدون، فطلبوا وجه التحرز منهم. وقالت فرقة: إفسادهم هو الظلم والغشم والقتل وسائر وجوه الإفساد المعلوم من البشر، والله أعلم. وقد وردت أخبار بصفتهم وخروجهم وأنهم ولد يافث. قلت: وقد وقال وهب بن منبه: رآهم ذو القرنين، وطول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا، لهم مخاليب في مواضع الأظفار وأضراس وأنياب كالسباع، وأحناك كأحناك الإبل، وهم هلب عليهم من الشعر ما يواريهم، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان، يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى، وكل واحد منهم قد عرف أجله لا يموت حتى يخرج له من صلبه ألف رجل إن كان ذكرا، ومن رحمها ألف أنثى إن كانت أنثى. وقال السدي والضحاك: الترك شرذمة من يأجوج ومأجوج خرجت تغير، فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت في هذا الجانب. قال السدي: بني السد على إحدى وعشرين قبيلة، وبقيت منهم قبيلة واحدة دون السد فهم الترك قاله قتادة. قلت: وإذا كان هذا فقد قوله تعالى{فهل نجعل لك خرجا{ استفهام على جهة حسن الأدب {خرجا{ أي جعلا وقرئ {خراجا{ والخرج أخص من الخراج يقال: أد خرج رأسك وخراج مدينتك وقال الأزهري: الخراج يقع على الضريبة، ويقع على مال الفيء، ويقع على الجزية وعلى الغلة والخراج اسم لما يخرج من الفرائض في الأموال. والخرج: المصدر. {على أن تجعل بيننا وبينهم سدا{ أي ردما؛ والردم ما جعل بعضه على بعض حتى يتصل وثوب مردم أي مرقع قال الهروي يقال: ردمت الثلمة أردمها بالكسر ردما أي سددتها والردم أيضا الاسم وهو السد وقيل: الردم أبلغ من السد إذ السد كل ما يسد به والردم وضع الشيء على الشيء من حجارة أو تراب أو نحوه حتى يقوم من ذلك حجاب منيع ومنه ردم ثوبه إذا رقعه برقاع متكاثفة بعضها فوق بعض ومنه قول عنترة: أي من قول يركب بعضه على بعض وقرئ {سدا{ بالفتح في السين، فقال الخليل وسيبويه: الضم هو الاسم والفتح المصدر. وقال الكسائي: الفتح والضم لغتان بمعنى واحد وقال عكرمة وأبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة: ما كان من خلقة الله لم يشاركه فيه أحد بعمل فهو بالضم، وما كان من صنع البشر فهو بالفتح. ويلزم أهل هذه المقالة أن يقرؤوا {سدا{ بالفتح وقبله {بين السدين{ بالضم، وهي قراءة حمزة والكسائي. وقال أبو حاتم عن ابن عباس وعكرمة عكس ما قال أبو عبيدة. وقال ابن أبي إسحاق: ما رأته عيناك فهو سد بالضم وما لا ترى فهو سد بالفتح. في هذه الآية دليل على اتخاذ السجون، وحبس أهل الفساد فيها، ومنعهم من التصرف لما يريدونه، ولا يتركون وما هم عليه، بل يوجعون ضربا ويحبسون أو يكلفون ويطلقون كما فعل عمر رضي الله عنه. فيه مسألتان [الأولى] قوله تعالى{قال ما مكني قيه ربي خير فأعينوني بقوة{ المعنى قال لهم ذو القرنين ما بسطه الله تعالى لي من القدرة والملك خير من خرجكم وأموالكم ولكن أعينوني بقوة الأبدان، أي برجال وعمل منكم بالأبدان، والآلة التي أبني بها الردم وهو السد وهذا تأييد من الله تعالى لذي القرنين في هذه المحاورة فإن القوم لو جمعوا له خرجا لم يعنه أحد ولو كلوه إلى البنيان ومعونته بأنفسهم أجمل به وأسرع في انقضاء هذا العمل وربما أربى ما ذكروه له على الخرج. وقرأ ابن كثير وحده {ما مكنني{ بنونين. وقرأ الباقون {ما مكني فيه ربي{ [الثانية] في هذه الآية دليل أن الملك فرض عليه أن يقوم بحماية الخلق في حفظ بيضتهم، وسد فرجتهم، وإصلاح ثغورهم، من أموالهم التي تفيء عليهم، وحقوقهم التي تجمعها خزانتهم تحت يده ونظره، حتى لو أكلتها الحقوق، وأنفذتها المؤن، لكان عليهم جبر ذلك من أموالهم، وعليه حسن النظر لهم؛ وذلك بثلاثة شروط: الأول: ألا يستأثر عليهم بشيء. الثاني: أن يبدأ بأهل الحاجة فيعينهم الثالث أن يسوي في العطاء بينهم على قدر منازلهم، فإذا فنيت بعد هذا وبقيت صفرا فأطلعت الحوادث أمرا بذلوا أنفسهم قبل أموالهم، فإن لم يغن ذلك فأموالهم تؤخذ منهم على تقدير، وتصريف بتدبير؛ فهذا ذو القرنين لما عرضوا عليه المال في أن يكف عنهم ما يحذرونه من عادية يأجوج ومأجوج قال: لست احتاج إليه وإنما احتاج إليكم {فأعينوني بقوة{ أي اخدموا بأنفسكم معي، فان الأموال عندي والرجال عندكم، ورأى أن الأموال لا تغني عنهم، فإنه إن أخذها أجرة نقص ذلك مما يحتاج إليه، فيعود بالأجر عليهم، فكان التطوع بخدمة الأبدان أولى. وضابط الأمور لا يحل مال أحد إلا لضرورة تعرض، فيؤخذ ذلك، المال جهرا لا سرا، وينفق بالعدل لا بالاستئثار، وبرأي الجماعة لا بالاستبداد بالأمر. والله تعالى الموفق للصواب. قوله تعالى{آتوني زبر الحديد{ أي أعطوني زبر الحديد وناولونيها أمرهم بنقل الآلة، وهذا كله إنما هو استدعاء العطية التي بغير معنى الهبة، وإنما هو استدعاء للمناولة، لأنه قد ارتبط من قوله: إنه لا يأخذ منهم الخرج فلم يبق إلا استدعاء المناولة، وأعمال الأبدان و{زبر الحديد{ قطع الحديد. وأصل الكلمة الاجتماع، ومنه زُبرة الأسد لما اجتمع من الشعر على كاهله. وزبرت الكتاب أي كتبته وجمعت حروفه. وقرأ أبو بكر والمفضل {ردما ايتوني{ من الإتيان الذي هو المجيء؛ أي جيؤوني بزبر الحديد، فلما سقط الخافض انتصب الفعل على نحو قول الشاعر: حذف الجار فنصب الفعل وقرأ الجمهور {زبر{ بفتح الباء وقرأ الحسن بضمها؛ وكل ذلك جمع زبرة وهي القطعة العظيمة منه. قوله تعالى{حتى إذا ساوى{ يعني البناء فحذف لقوة الكلام عليه. {بين الصدفين{ قال أبو عبيدة: هما جانبا الجبل، وسميا بذلك لتصادفهما أي لتلاقيهما. وقاله الزهري وابن عباس؛ (كأنه يعرض عن الآخر) من الصدوف؛ قال الشاعر: ويقال للبناء المرتفع صدف تشبيه بجانب الجبل. وفي الحديث: كان إذا مر بصدف مائل أسرع المشي. قال أبو عبيد: الصدف والهدف كل بناء عظيم مرتفع. ابن عطية: الصدفان الجبلان المتناوحان ولا يقال للواحد صدف، وإنما يقال صدفان للاثنين؛ لأن أحدهما يصادف الآخر. وقرأ نافع وحمزة والكسائي {الصدفين{ بفتح الصاد وشدها وفتح الدال، وهي قراءة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعمر بن عبدالعزيز، وهي اختيار أبي عبيدة لأنها أشهر اللغات. وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو {الصدفين{ بضم الصاد والدال وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {الصدفين{ بضم الصاد وسكون الدال، نحو الجرف والجرف فهو تخفيف. وقرأ ابن الماجشون بفتح الصاد وضم الدال. وقرأ قتادة {بين الصدفين{ بفتح الصاد وسكون الدال، وكل ذلك بمعنى واحد وهما الجبلان المتناوحان. قوله تعالى{قال انفخوا حتى إذا جعله نارا{ {قال انفخوا{ أي على زبر الحديد بالأكيار، وذلك أنه كان يأمر بوضع طاقة من الزبر والحجارة، ثم يوقد عليها الحطب والفحم بالمنافخ حتى تحمى، والحديد إذا أوقد عليه صار كالنار، فذلك قوله تعالى{حتى إذا جعله نارا{ ثم يؤتى بالنحاس المذاب أو بالرصاص أو بالحديد بحسب الخلاف في القطر، فيفرغه على ذلك الطاقة المنضدة، فإذا التأم واشتد ولصق البعض بالبعض استأنف وضع طاقة أخرى، إلى أن استوى العمل فصار جبلا صلدا قال قتادة: هو كالبرد المحبر، طريقة سوداء، وطريقة حمراء. قوله تعالى{قال آتوني أفرغ عليه قطرا{ أي أعطوني قطرا أفرغ عليه، على التقديم والتأخير. ومن قرأ {ائتوني{ فالمعنى عنده تعالوا أفرغ عليه نحاسا. والقطر عند أكثر المفسرين النحاس المذاب، وأصله من القطر؛ لأنه إذا أذيب قطر كما يقطر الماء وقالت فرقة: القطر الحديد المذاب. وقالت فرقة منهم ابن الأنباري: الرصاص المذاب. وهو مشتق من قطر يقطر قطرا. ومنه {وأسلنا له عين القطر{. قوله تعالى{فما اسطاعوا أن يظهروه{ أي ما استطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوه ويصعدوا فيه؛ لأنه أملس مستو مع الجبل والجبل عال لا يرام. وارتفاع السد مائتا ذراع وخمسون ذراعا. وروي: في طوله ما بين طرفي الجبلين مائة فرسخ، وفي عرضه خمسون فرسخ؛ قاله وهب بن منبه. قوله تعالى{وما استطاعوا له نقبا{ لبعد عرضه وقوته. قوله تعالى{قال هذا رحمة من ربي{ القائل ذو القرنين، وأشار بهذا إلى الردم، والقوة عليه، والانتفاع به في دفع ضرر يأجوج ومأجوج. وقرأ ابن أبي عبلة {هذه رحمة من ربي{. {فإذا جاء وعد ربي{ أي يوم القيامة. وقيل: وقت خروجهم. {جعله دكاء وكان وعد ربي حقا{ أي مستويا بالأرض؛ ومنه قوله تعالى وقال الأزهري: يقال دككته أي دققته. ومن قرأ {دكاء{ أراد جعل الجبل أرضا دكاء، وهي الرابية التي لا تبلغ أن تكون جبلا وجمعها دكاوات. قرأ حمزة وعاصم والكسائي {دكاء{ بالمد على التشبيه بالناقة الدكاء، وهي التي لا سنام لها، وفي الكلام حذف تقديره: جعله مثل دكاء؛ ولا بد من تقدير هذا الحذف. لأن السد مذكر فلا يوصف بدكاء. ومن قرأ {دكا{ فهو مصدر دك يدك إذا هدم ورض؛ ويحتمل أن يكون {جعل{ بمعنى خلق. وينصب {دكا{ على الحال. وكذلك النصب أيضا في قراءة من مد يحتمل الوجهين. قوله تعالى{وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض{ الضمير في {تركنا{ لله تعالى؛ أي تركنا الجن والإنس يوم القيامة يموج بعضهم في بعض. وقيل: تركنا يأجوج ومأجوج {يومئذ{ أي وقت كمال السد يموج بعضهم في بعض. واستعارة الموج لهم عبارة عن الحيرة وتردد بعضهم في بعض، كالمولهين من هو وخوف؛ فشبههم بموج البحر الذي يضطرب بعضه في بعض. وقيل: تركنا يأجوج ومأجوج يوم انفتاح السد يموجون في الدنيا مختلطين لكثرتهم. قلت: فهذه ثلاثة أقوال أظهرها أوسطها، وأبعدها آخرها، وحسن الأول؛ لأنه تقدم ذكر القيامة في تأويل قوله تعالى{فإذا جاء وعد ربي{. والله أعلم. قوله تعالى{ونفخ في الصور{ والصور قرن من نور ينفخ فيه، النفخة الأولى للفناء والثانية للإنشاء. وليس جمع صورة كما زعم بعضهم؛ أي ينفخ في صور الموتى على ما نبينه. ومنه قوله{ويوم ينفخ في الصور{. قال الكلبي: لا أدري ما هو الصور. ويقال: هو جمع صورة مثل بسرة وبسر؛ أي ينفخ في صور الموتى والأرواح. وقرأ الحسن {يوم ينفخ في الصور{. والصور (بكسر الصاد) لغة في الصور جمع صورة والجمع صوار، وصيار (بالياء لغة فيه. وقال عمرو بن عبيد: قرأ عياض {يوم ينفخ في الصور{ فهذا يغني به الخلق. والله أعلم. قات: وممن قال إن المراد بالصور في هذه الآية جمع صورة أبو عبيد. وهذا وإن كان محتملا فهو مردود بما ذكرناه من الكتاب والسنة. وأيضا لا ينفخ في الصور للبعث مرتين؛ بل ينفخ فيه مرة واحدة؛ فإسرافيل عليه السلام ينفخ في الصور الذي هو القرن والله عز وجل يحيى الصور. وفي التنزيل قوله تعالى{فجمعناهم جمعا{ يعني الجن والإنس في عرصات القيامة. أي أبرزناها لهم. قوله تعالى{الذين كانت أعينهم{ في موضع خفض نعت {للكافرين{. {في غطاء عن ذكري{ أي هم بمنزلة من عينه مغطاة فلا ينظر إلى دلائل الله تعالى. {وكانوا لا يستطيعون سمعا{ أي لا يطيقون أن يسمعوا كلام الله تعالى، فهم بمنزلة من صم. قوله تعالى{أفحسب الذين كفروا{ أي ظن. وقرأ علي وعكرمة ومجاهد وابن محيصن {أفحسب{ بإسكان السين وضم الباء؛ أي كفاهم. {أن يتخذوا عبادي{ يعني عيسى والملائكة وعزيرا. {من دوني أولياء{ ولا أعاقبهم؛ ففي الكلام حذف. وقال الزجاج: المعنى؛ أفحسبوا أن ينفعهم ذلك. فيه دلالة على أن من الناس من يعمل العمل وهو يظن أنه محسن وقد حبط سعيه، والذي يوجب إحباط السعي إما فساد الاعتقاد أو المراءاة، والمراد هنا الكفر. روى البخاري عن مصعب قال: سألت أبي {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا{ أهم الحرورية؟ قال: لا؛ هم اليهود والنصارى. وأما اليهود فكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم، وأما النصارى فكفروا بالجنة، فقالوا: لا طعام فيها ولا شراب؛ والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه؛ وكان سعد يسميهم الفاسقين. والآية معناها التوبيخ؛ أي قل لهؤلاء الكفرة الذين عبدوا غيري: يخيب سعيهم وآمالهم غدا؛ فهم الأخسرون أعمالا، وهم {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا{ في عبادة من سواي. قال ابن عباس: (يريد كفار أهل مكة). وقال علي:(هم الخوارج أهل حروراء. وقال مرة: هم الرهبان أصحاب الصوامع). وروي أن ابن الكواء سأله عن الأخسرين أعمالا فقال له: أنت وأصحابك. قال ابن عطية: ويضعف هذا كله قوله تعالى بعد ذلك{أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم{ وليس من هذه الطوائف من يكفر بالله ولقائه والبعث والنشور، وإنما هذه صفة مشركي مكة عبدة الأوثان، وعلي وسعد رضي الله عنهما ذكرا أقواما أخذوا بحظهم من هذه الآية. و{أعمالا{ نصب على التمييز. و{حبطت{ قراءة الجمهور بكسر الباء. وقرأ ابن عباس {حبطت{ بفتحها. قوله تعالى{فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا{ قراءة الجمهور {نقيم{ بنون والعظمة. وقرأ مجاهد بياء الغائب؛ يريد فلا يقيم الله عز وجل، وقرأ عبيد بن عمير {فلا يقوم{ ويلزمه أن يقرأ {وزن{ وكذلك قرأ مجاهد {فلا يقوم لهم يوم القيامة وزن{. قال عبيد بن عمير: يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب فلا يزن عند الله جناح بعوضة. قلت: هذا لا يقال مثله من جهة الرأي، قوله تعالى{ذلك جزاؤهم{ {ذلك{ إشارة إلى ترك الوزن، وهو في موضع رفع بالابتداء {جزاؤهم{ خبره. {جهنم{ بدل من المبتدأ الذي هو {ذلك{. {بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا{ و{ما{ في قوله{بما كفروا{ مصدرية، والهزء الاستخفاف والسخرية؛ وقد تقدم. قال قتادة: الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأعلاها وأفضلها وأرفعها وقال أبو أمامة الباهلي: الفردوس سرة الجنة. وقال كعب: ليس في الجنان جنة أعلى من جنة الفردوس؛ فيها الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر. والفراديس موضع بالشام. وكرم مفردس أي معرش. قوله تعالى{خالدين فيها{ أي دائمين. {لا يبغون عنها حولا{ أي لا يطلبون تحويلا عنها إلى غيرها. والحول بمعنى التحويل؛ قال أبو علي. وقال الزجاج: حال من مكانه حولا كما يقال: عظم عظما. قال: ويجوز أن يكون من الحيلة، أي لا يحتالون منزلا غيرها. قال الجوهري: التحول التنقل من موضع إلى موضع، والاسم الحول، ومنه قوله تعالى{خالدين فيها لا يبغون عنها حولا{. قوله تعالى{قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي{ نفد الشيء إذا تم وفرغ؛ وقد تقدم. {ولو جئنا بمثله مددا{ أي زيادة على البحر عددا أو وزنا. وفي مصحف أُبي {مدادا{ وكذلك قرأها مجاهد وابن محيصن وحميد. وانتصب {مددا{ على التمييز أو الحال. وقال ابن عباس: قالت اليهود لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم فعبر باللبات عن اللبة. وفي التنزيل {نحن أولياؤكم}فصلت: 31] و قوله تعالى{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد{ أي لا أعلم إلا ما يعلمني الله تعالى، وعلم الله تعالى لا يحصى، وإنما أمرت بأن أبلغكم بأنه لا إله إلا الله. {فمن كان يرجو لقاء ربه{ أي يرجو رؤيته وثوابه ويخشى عقابه {فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا{ قلت: والكل مراد، والآية تعم ذلك كله وغيره من الأعمال. وقد تقدم في سورة {هود{ حديث أبي هريرة الصحيح في الثلاثة الذين يقضى عليهم أول الناس وقد تقدم في سورة {النساء{ الكلام على الرياء، وذكرنا من الأخبار هناك ما فيه كفاية. وقال الماوردي وقال جميع أهل التأويل: معنى قوله تعالى{ولا يشرك بعبادة ربه أحدا{ إنه لا يرائي بعمله أحدا. قلت: وقد جاء تفسير الشهوة الخفية بخلاف هذا، وقد ذكرناه في {النساء{. وقال سهل بن عبدالله: وسئل الحسن عن الإخلاص والرياء فقال: من الإخلاص أن تحب أن تكتم حسناتك ولا تحب أن تكتم سيئاتك، فإن أظهر الله عليك حسناتك تقول هذا من فضلك وإحسانك، وليس هذا من فعلي ولا من صنيعي، وتذكر قوله تعالى{فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا). (والذين يؤتون ما آتوا}المؤمنون: 10] الآية؛ يؤتون الإخلاص، وهم يخافون ألا يقبل منهم؛ وأما الرياء فطلب حظ النفس من عملها في الدنيا؛ قيل لها: كيف يكون هذا؟ قال: من طلب بعمل بينه وبين الله تعالى سوى وجه الله تعالى والدار الآخرة فهو رياء. وقال علماؤنا رضي الله تعالى عنهم: وقد يقضي الرياء بصاحبه إلى استهزاء الناس به؛ كما يحكى أن طاهر بن الحسين قال لأبي عبدالله المروزي: منذ كم صرت إلى العراق يا أبا عبدالله؟ قال: دخلت العراق منذ عشرين سنة وأنا منذ ثلاثين سنة صائم؛ فقال يا أبا عبدالله سألناك عن مسألة فأجبتنا عن مسألتين. وحكى الأصمعي أن أعرابيا صلى فأطال وإلى جانبه قوم، فقالوا: ما أحسن صلاتك؟ ! فقال: وأنا مع ذلك صائم. أين هذا من قول الأشعث، بن قيس وقد صلى فخفف، فقيل له إنك خففت، فقال: إنه لم يخالطها رياء؛ فخلص من تنقصهم بنفي الرياء عن نفسه، والتصنع من صلاته؛ وقد تقدم في {النساء{ دواء الرياء من قول لقمان؛ وأنه كتمان العمل،
|